Skip to content Skip to footer

لاروش للاقتصاد الفيزيائي

هل بمقدور الغرب ان يتعلم؟ ماذا تحتاج افغانستان الآن!

هل بمقدور الغرب ان يتعلم؟ ماذا تحتاج افغانستان الآن!

بيان من السيدة هيلجا لاروش رئيسة معهد شيللر الدولي

Can ‘The West’ Learn? What Afghanistan Needs Now

إن الصورة التي ظهر بها الفشل الكارثي لحلف الناتو في أفغانستان ومعه سياسة حروب التدخل التي استمرت 20 عامًا هي الصورة الأكثر وضوحا وبلاغة. لا يتعلق الأمر فقط بخسارتهم للحرب بل إنها صورة نموذجية لانهيار مجموعة كاملة من المفاهيم الخاطئة للنظام الليبرالي الغربي. لذلك فإنه من الأمور المرحب بها عندما يعلن الرئيس الأمريكي جون بايدن أن الانسحاب من أفغانستان يمثل نهاية حقبة كاملة من استخدام القوة العسكرية الأمريكية بهدف “إعادة تشكيل” دول أخرى. ولكن إذا كانت إعادة التوجيه هذه تعني فقط أننا لن نشغل أنفسنا بعد الآن في “الحروب التي لا نهاية لها” ، ولكن بدلاً من ذلك سنركز جميع قوانا على “التحديات الجديدة” – أي المواجهة مع روسيا والصين – فإن الدرس المستفاد من هذا الكارثة المخزية لم نتعلمه بعد، وإنما نحن على وشك الوقوع في كارثة أسوأ. لكن الجرح لا زال طريا وصدمة الهزيمة هزت العالم الغربي بأسره، مما يعني أن هناك فرصة لنهج جديد تمامًا.

لقد قدر مشروع بحثي أنجزته جامعة براون الامريكية للتحقق من تكاليف الحروب الأمريكية منذ 11 سبتمبر 2001 التكاليف الإجمالية للعمليات العسكرية في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن والصومال وباكستان بمقدار 8 تريليون دولار. وقد فقد ما لا يقل عن مليون شخص من سكان تلك البلدان حياتهم. تنقسم الكلفة المالية هذه إلى 2.3 تريليون دولار لحرب أفغانستان و 2.1 تريليون دولار لمنطقة الحرب العراقية / السورية ، و 355 مليار دولار للعمليات العسكرية في ليبيا والصومال ودول اخرى و 1.1 تريليون دولار لبرامج الأمن الداخلي و 2.2 تريليون دولار للرعاية الصحية الحالية والمستقبلية لقدامى المحاربين الامريكيين الذين تم زجهم في هذه الحروب ويعاني عدد كبير منهم من أمراض جسدية ونفسية وعقلية ثانوية. قُتل ما لا يقل عن 15000 من أفراد الجيش الأمريكي ونفس العدد تقريبًا من قوات الناتو الدولية. وتشرد حوالي 70 مليون شخص هم لاجئون بسبب هذه الحروب. تم نشر مئات الآلاف من القوات وقتل عدد غير معروف من المدنيين. وكانت غالبية القوات مشغولة بشكل أساسي بحماية نفسها في بيئة معادية. لم تكن لديهم أدنى فكرة عن هؤلاء الأشخاص الذين يحاربونهم ولا وثقافتهم لا في بداية العشرين عامًا هذه ولا في نهايتها. وقد اصبح هذا الأمر معروفا للجميع  في موعد لا يتجاوز نشر ما سميت “ملفات أفغانستان” في عام 2019.

إن الحالة الإنسانية في أفغانستان اليوم مروعة، إذ أعلن مدير برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيزلي الذي زار أفغانستان الأسبوع الماضي أن 18 مليون أفغاني يتضورون جوعاً – أي أكثر من نصف السكان – وأن 4 ملايين معرضون لخطر المجاعة في الشتاء القادم إذا لم يتلقوا مساعدات كبيرة. وتخشى منظمة الصحة العالمية حدوث كارثة طبية في ضوء عدم وجود نظام صحي كافي في خضم جائحة كورونا. وقد تم تطعيم حوالي مليون شخص فقط حتى الآن ضد هذا الفايروس. هل يمكن أن يكون لدى شعوب الدول الغربية أي فكرة عن نوع المعاناة التي عانى منها السكان الأفغان خلال الأربعين عامًا الماضية من الحروب ولازال يتعين عليهم تحمل المزيد هذه المرحلة من الزمن؟

في ضوء هذه المأساة التي لا يمكن تخيلها حقا، فمن السخف والتضليل المتعمد أن يتحدتث بعض الذين لازالوا يعيشون في سياق “الحروب التي لا نهاية لها” عن “بناء الأمة”. ما الذي تم بناؤه في أفغانستان عندما يتضور نصف السكان جوعا؟ لو كانت الولايات المتحدة الأمريكية وأعضاء الناتو الآخرون قد استثمروا 5٪ فقط من إنفاقهم العسكري في التنمية الاقتصادية الحقيقية لأفغانستان ، لما كانت هذه الكارثة المروعة لتحدث أبدًا.

نحو نظام صحي وزراعة حديثة

حتى الآن لا يبدو ان هناك عملية مراجعة للذات وإعادة تفكير حقيقية في الولايات المتحدة أو أوروبا. ليس لأن هذا لا يعني فقط أن من سيفعل ذلك على استعداد “للتحدث مع طالبان” ، بل يعني أن على ذلك الشخص أن يصحح الأساس الكامل لسياسات السنوات العشرين الماضية ويقلبه رأسا على عقب. إذا كان بايدن جادًا بشأن إنهاء حقبة حروب التدخل بأكملها فيجب على القوات الأمريكية أن تمتثل أخيرا لتصويت البرلمان العراقي الذي طالب بانسحابها في كانون الثاني (يناير) 2020. ثم يجب رفع عقوبات قيصر الاجرامية المفروضة على سوريا والتي ساهمت حتى يومنا هذا في جعل أكثر من 90٪ من السكان يهبط مستواهم المعيشي تحت خط الفقر. وأبعد من ذلك، وخاصة بسبب انتشار الجائحة يجب أن ننهي سياسة العقوبات ضد جميع البلدان، فهذه العقوبات لاتملك تفويضا من الأمم المتحدة وهي تهاجم فقط الشرائح الأفقر من السكان وتقتلهم في كثير من الأحيان.

ما يتعين على الولايات المتحدة والدول الأوروبية فعله الآن، إذا أرادوا يومًا ما استعادة مصداقيتهم فيما يتعلق “بالقيم” و “حقوق الإنسان”، هو تقديم مساعدة حقيقية للحكومة الأفغانية التي يتم تشكيلها حاليا، على سبيل المثال من خلال بناء نظام صحي حديث. من الأمور التي تمس الحاجة إليها الآن نظام كامل من المستشفيات الحديثة وأيضا وضع نظام تدريب للأطباء والمهنيين الطبيين وبرنامج تدريبي للشباب الذين يمكنهم مساعدة السكان في جميع المناطق الريفية على اتباع اجراءات النظافة الوقائية لمواجهة الجائحة. ويمكن تأسيس شراكات من شأنها أن تربط مثل هذا النظام الصحي بالمراكز الطبية في الولايات المتحدة وأوروبا، كما هو موجود بالفعل مع البلدان الأخرى في القطاع النامي.

وبالنظر إلى خطر المجاعة فإنه بالإضافة إلى الجسر الجوي الذي أقامه ديفيد بيزلي من برنامج الأغذية العالمي من باكستان والذي يمكن أن يجلب الغذاء إلى أفغانستان فإن هناك حاجة ماسة إلى تقديم عرض شامل للدعم الزراعي. إذا أردنا إقناع المزارعين بالتراجع عن زراعة نبات الخشخاش لإنتاج الأفيون بدافع الضرورة والحاجة فيجب دعم تنمية زراعة الأغذية المدمجة في الهيكل الاقتصادي العام. بنجاحه في إبرام الاتفاق مع طالبان في عام 2000 أثبت مفوض الأمم المتحدة السابق للمخدرات بينو أرلاكي (Pino Arlacchi) أن إلغاء زراعة المخدرات أمر ممكن وأنه يمكن فعل ذلك بالتوافق مع المعتقدات الدينية لطالبان.

وبشرط أن تُحترم سيادة أفغانستان والحكومة الجديدة بشكل كامل ويتم ضمان عدم خلط مثل هذه المساعدة في تنمية الزراعة بأجندة سياسية، يمكن البدء بمشاريع تجريبية مختلفة على أساس نموذج الثورة الخضراء التي قادها القائد الهندي جواهر لال نهرو في بلده في المناطق الجاهزة للقيام بذلك في أفغانستان. ويوجد مزارعون ملتزمون من الشباب وكبار السن في الولايات المتحدة وأوروبا يرغبون في المشاركة في مهمة السلام هذه لتحسين الإنتاج الزراعي في أفغانستان بطريقة يمكن من خلالها القضاء على المجاعة بشكل دائم. وبالنظر إلى حالات الجفاف المتكررة يجب أن تسير مثل هذه البرامج جنبًا إلى جنب مع برامج تنمية الري والإدارة العامة للمياه.

منسق مساعدات موثوق

يجب أن يتعلق الأمر أولاً وقبل كل شيء بمساعدة الشعب الأفغاني في الوضعية الكارثية التي لم تكن لهم يد في خلقها. وهذا ممكن فقط إذا تم بناء أساس من الثقة مع الحكومة الجديدة بغض النظر عن جميع التحفظات الأيديولوجية. لذلك تقترح “اللجنة لتصادف الأضداد” (Comittee for the Coincidence of Opposites) أن تختار الحكومات الأمريكية والأوروبية شخصا لتنسيق برنامج المساعدة هذا على ان يكون شخصا أظهر في الماضي أن مثل هذه السياسة يمكن أن تنجح. وهذا الشخص هو على وجه التحديد الدكتور بينو أرلاكي. سيضمن اختياره احترام سيادة أفغانستان وعدم القيام بأي محاولة لفرض المعايير الغربية لأنه قد حاز بالفعل على ثقة طالبان به في الماضي.

إن إعادة النظر بهذا الشكل بالسياسة تجاه أفغانستان يعني بطبيعة الحال أيضًا الابتعاد تمامًا عن التفكير الجيوسياسي ورفض فكرة السياسة باعتبارها لعبة محصلتها صفر يُفهم فيها صعود الصين وآسيا تلقائيًا على أنه تراجع للغرب. عند زيارة ممثل طالبان ورئيس الحكومة الحالي الملا عبدالغني برادار لوزير الخارجية الصيني وانغ يي أشار برادار إلى أن حكومته تعول على التعاون مع الصين ودمج أفغانستان في طريق الحرير الجديد. كما اقترح السفير الروسي في أفغانستان زامير كابولوف عقد مؤتمر دولي للتنمية الاقتصادية في البلاد لبحث المشاريع التي يجب أن تكون لها الأولوية المطلقة لتجاوز حالة الطوارئ.

إذا كان الغرب قد تعلم شيئًا من هزيمة الألفية في أفغانستان ، فعليه أن يتعاون بشكل محايد مع روسيا والصين والدول المجاورة في آسيا الوسطى وباكستان وإيران والهند في بناء ليس فقط أفغانستان وإنما جنوب غرب آسيا بالكامل. إن شعار “إنهاء الحروب التي لا نهاية لها” ، الذي أثار غضب توني بلير ليس بلاهة – إنما البلاهة هي سياسة حروب التدخل الاستعمارية التي اقترحها هو. لم يكن هذا مجرد غباء ، بل فعل إجرامي دمر حياة الملايين من الناس أو أغرقهم في معاناة لا توصف. لذلك لا بد من أن يخضع مهندسو هذه السياسة للمساءلة.

ولكن إذا كان المراد التغلب على دائرة العنف والانتقام فلا بد من وضع سياسة جديدة على جدول الأعمال: الاسم الجديد للسلام هو التنمية كما قالها البابا بولس السادس ذات مرة. أفغانستان هي المكان الوحيد الذي يمكن للولايات المتحدة والصين أن تبدأ فيه شكلاً من أشكال التعاون يمكن أن يكون خطوة صغيرة نحو التعاون الاستراتيجي ووضع الأهداف المشتركة للبشرية في المقدمة. في نهاية المطاف سيشكل انجاز ذلك إشارة إلى المسار الوحيد الذي يمكن من خلاله تفادي نهاية البشرية في معركة هرمجدون نووية.

على أية حال ، لا يبدو أن وزيرة الدفاع الألمانية أنجريت كرامب كارينباور قد تعلمت أي شيء من “الهزيمة الشديدة” ، إذا كان كل ما يمكنها التفكير فيه هو المطالبة “بمزيد من الاستقلال العسكري للاتحاد الأوروبي”. إن “نقص المهارات” الذي تحدثت عنه لا يشير فقط إلى فشل المقاومة الأوروبية للانسحاب الذي تقوده الولايات المتحدة من أفغانستان. إذا كان للانحدار الذاتي للغرب أن ينتهي ، فنحن بحاجة إلى تحليل صادق لسبب فشل النموذج الاجتماعي الليبرالي الاستعماري الجديد، وفوق كل شيء نحتاج إلى نهضة في ثقافتنا الإنسانية والكلاسيكية. موقفنا من اعادة الإعمار في أفغانستان هو اختبار لنا إذا كنا قادرين على القيام بذلك.

the Kick-ass Multipurpose WordPress Theme

© 2024 Kicker. All Rights Reserved.

Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates

[yikes-mailchimp form="1"]